الكتاب الذي وُلد بعد الهجوم على مستشفى المعتمداني في غزة

الكتاب الذي وُلد بعد الهجوم على مستشفى المعتمداني في غزة

كتاب "رمادي العصافير" لحامد عسكري الذي فاز بالجائزة العالمية للفلسطيني، يمثل صوتًا للمظلومية والصمود الشعبي الفلسطيني على الساحة العالمية.

في الدورة الثانية للجائزة العالمية للفلسطيني، حصل كتاب "رمادي العصافير" لحامد عسكري على المركز الثاني في قسم القصة القصيرة. هذا العمل يروي مأساة إنسانية من قلب غزة؛ حيث تم تصوير القصف واستشهاد الأطفال في 44 رسالة.

يكتب حامد عسكري بأسلوب شاعري مؤلم عن الطيران الناقص والرماد الذي بقي على القلوب المحترقة. هذا الكتاب هو صرخة ضد الظلم الواضح الذي يشعل في نفس الوقت لهبة من المقاومة والاحتجاج بينما يعبر عن المعاناة.

"رمادي العصافير" إلى جانب الأعمال المرشحة الأخرى في هذه الدورة، يمثل صوتًا للمظلومية والصمود الشعبي الفلسطيني على الساحة العالمية. هذا العمل الذي ترجم حديثًا إلى اللغة العربية وعُرض باسم "رمادي العصافير" في معرض بغداد للكتاب، استطاع جذب انتباه القراء الناطقين بالعربية أيضًا.

في بداية هذا العمل، يوضح عسكري هدفه من كتابة هذا الكتاب قائلاً: "بدون مقدمات للتاريخ: إنها سنة ألفين وثلاثة وعشرين، توافق ألف وأربعمائة واثنين هجري شمسي. كنت تلك الليلة في تسجيل برنامج. كان الحوار يسير بشكل جيد. فجأة أوقف المخرج التسجيل ثم جلس وعيناه تدمعان. قلت: 'ماذا بك يا عليرضا؟ كنا على ما يرام!' قال وهو يبكي: 'قيل لأهل غزة اذهبوا إلى المستشفى، سنضرب بعض الأماكن. وعندما ذهب الناس إلى المستشفى، ضربوا المستشفى. حتى الآن ستمائة وخمسون شخصًا...' كانت ركبتاي ترتجفان. لم أصدق. هل وصلت الوقاحة إلى هذا الحد؟! كنت غاضبًا من الرأس إلى القدم وأصر على أسناني. ترددت في ذهني كل الصور عن هذا الاحتلال الذي دام 70 عامًا.

كنت أحب فلسطين وشعبها وما زلت، وكان هذا الخبر كالمطرقة على رأسي. كان لدي سفرتان أو ثلاث، ألغيتها وجلست للكتابة. لم يكن لدي وقت. الوقت دائمًا متأخر. ما تقرؤونه الآن كتبته في تلك الأيام، تلك الأيام التي يحترق فيها الفلسطينيون جثثًا فوق جثث، وتكون تزاوج الضفادع في الخريف ذات قيمة إخبارية أعلى لليورونيوز من أن تصبح العنوان الأول والصورة الأولى، ومن مقتل سبعة آلاف إنسان منهم ألفان طفل. هل تفهمون؟ طفل!

اليوم وأنا أكتب هذه المقدمة، هو اليوم الثاني والعشرون للحرب. غزة بحر من الدم، ولكن الآن وأنتم تمسكون بهذا الكتاب، قد لا تكون هناك دولة اسمها إسرائيل. صدقًا، طالما كنا أحياء، لم نعترف بها كدولة، ولكن في زمانكم وعالمكم لا أدري. بذلنا كل ما في وسعنا ودعمنا فلسطين بأي طريقة استطعنا. ربما لا تتذكرون، ولكن حتى كان لدينا يوم القدس وكنا نخرج في آخر جمعة من رمضان بلغة الصيام ونقول "موت لإسرائيل" في الحر والبرد.

كتبت هذا الكتاب، وكتبته بكل وجودي وإيماني. ما تقرؤونه الآن، ليس قصصًا بالتعريف العلمي والأكاديمي للعالم لتُنظروا إليها بنظرة نقد القصة، ولا هي غير قصصية، ولا هي روايات، ولا تقارير. لقد التقطت الصور بالكلمات، كل صورة أو فيلم رأيتموه هذه الأيام، كتبت الإطار الذي قبله أو بعده.

هذه الأيام أفكر في عيني النبي موسى وهما تدمعان والدم من يد قومه. أفكر في قبره المخفي والمستتر في صحراء سيناء الذي تغطيه رمال الصحراء، وأفكر في أن هذا الفكر القاتل للأطفال لو كان حقًا يتبع موسى لما كان قبره على هذه الحال كل هذه السنوات! يخبرني قلبي أن موسى خجل من محمد (ص) لأن قومه المزيفين يفعلون بقوم محمد ما نراه ونسمعه. موسى من محمد ماذا أقول، الإنسان خجل من الإنسانية، فما بالك بتلك الوجودات المباركة السماوية!

كتبت هذه الصفحات حتى إذا قابلت يوم القيامة أطفال غزة الذين قُطِّعوا، أستطيع أن أنظر في عيونهم وأقول: كتبت عنكم، صرخت بكم و... أحببتكم.

اللهم، بحق الدم المسفوك ظلمًا لأطفال الفلسطينيين، أعطني عمرًا كافيًا لأرى حرية فلسطين وأصلي ركعتين في المسجد الأقصى ثم إذا متّ مت. اللهم، أنت تعلم أني من كل قلبي أقول: أنا عاشق لفلسطين المظلومة."

في جزء من هذا الكتاب نقرأ:

"كان الأطفال يتحدثون في الفصل عن ما يخططون له لحفلة الهالوين. كان يسمعهم ويتخيلهم في ذهنه. قال سميث بحماس: 'سيدتي، لدي زي زومبي رائع سأرتديه في يوم الهالوين.' قالت إيميلي: 'اشتريت أسنانًا صناعية تشبه أسنان النمر وزيًا يشبه زي الخفاش. سأصبغ عليه باللون الأحمر وآتي إلى المدرسة.' قال فردي: 'حصلت على قناع ساحرة قبيحة وعجوز من جدي، سأرتديه وأستخدم مكنسة المدرسة. أعتقد أنه سيكون رائعًا.' قالت جودي: 'لدي زي فزاعة مليء بالدماء مع منشار كهربائي يصدر صوتًا مرعبًا فقط وسأجيء إلى المدرسة وأطارد الأطفال.'

كانت المعلمة تستمع بعناية لأفكار الأطفال وتسأل عن آرائهم لجعلها أكثر رعبًا. كانت ضجة الأطفال تملأ الفصل وكان الجميع ينتظرون بفارغ الصبر وصول الهالوين، لكن ناجي كان صامتًا. سألته المعلمة مرة أو مرتين عن زيه فقال إنه لا توجد لديه فكرة بعد. وعندما طلبت من الأطفال اقتراح أفكار لزيه، علق ناجي شفتيه وقال: لا، لا يعجبني.

حل صباح يوم الحفلة. زرعوا عدة كاميرات في الفناء لتصوير الحفلة. كان الفناء صاخبًا. كانت جميع العيون على الباب لمشاهدة زي ومكياج جديد. كان الأطفال يأتون واحدًا تلو الآخر وكان الجميع ينظرون إليهم بحماس. وصل ناجي وحيدًا. كان يرتدي زيًا عسكريًا أخضر مع أحذية كانت فضفاضة في قدميه ويدين مصبوغتين باللون الأحمر لتبدوا كالدماء. كانت المدرسة كلها صامتة. صرخت المعلمة في ميكروفونها اللاسلكي: 'لقد جاء ناجي أيضًا يا أطفال.'

كان الجميع ينظرون إليه في ذهول. ذهبت المعلمة بالميكروفون نحوه: 'حسنًا، قل لنا يا ناجي، ما هذا الزي والمكياج الذي من المفترض أن نخاف منه؟'

أجاب ناجي بثقة وقوة: 'سيدتي، الإذن، هذا زي جندي إسرائيلي.'...

صدر كتاب "رمادي العصافير" في شهر دي عام 1402 هجري شمسي وحصل على المركز الثاني في قسم القصة القصيرة في الدورة الثانية للجائزة العالمية للأدب الفلسطيني في بغداد.

نهاية الخبر/

أکتب تعلیقا
capcha