محرقة الكتب.. كيف دمرت إسرائيل ذاكرة غزة ومستقبلها؟  

محرقة الكتب.. كيف دمرت إسرائيل ذاكرة غزة ومستقبلها؟  

في حرب لم تُبقِ حجرًا على حجر، لم تكن المنازل والمستشفيات وحدها ضحايا القصف الإسرائيلي. فتحت نيران الاحتلال نطاق دمارها ليطال   المكتبات   و  الأرشيفات التاريخية   و  مراكز المعرفة  ، في هجوم يُوصف بـ"الإبادة الثقافية". تقارير دولية تؤكد أن إسرائيل دمرت عمدًا أكثر من   30 مكتبةً رئيسية   في غزة منذ أكتوبر 2023، بما فيها أندر المخطوطات التي توثق 150 عامًا من التاريخ الفلسطيني .  

تقرير خاص
  غزة - يونيو 2025    


استهداف منهجي للهوية  
في حرب لم تُبقِ حجرًا على حجر، لم تكن المنازل والمستشفيات وحدها ضحايا القصف الإسرائيلي. فتحت نيران الاحتلال نطاق دمارها ليطال   المكتبات   و  الأرشيفات التاريخية   و  مراكز المعرفة  ، في هجوم يُوصف بـ"الإبادة الثقافية". تقارير دولية تؤكد أن إسرائيل دمرت عمدًا أكثر من   30 مكتبةً رئيسية   في غزة منذ أكتوبر 2023، بما فيها أندر المخطوطات التي توثق 150 عامًا من التاريخ الفلسطيني .  
احصائية تحبس الأنفاس، أظهرت إحصائيات مروّعة حجم الدمار الذي لحق بالمكتبات في قطاع غزة، حيث التهمت النيران والأحداث أكثر من 6 ملايين كتاب   
وتفصيلاً، شمل الدمار مكتبات الجامعات       التي تحوّلت ركامًا، وفقدت 1.2 مليون كتاب.
أما لمكتبات العامة التي طُمر إرثها مع 700,000 كتاب.  
ومكتبات المدارس حيث احترق مليون كتاب كانوا شعلةً لأجيال المستقبل.  
كذلك المكتبات التجارية وأسواق الكتب       التي أُتلفت فيها 300,000 كتاب.  
وأما دور العبادة (المساجد والكنائس) التي فقدت 300,000 كتابٍ جمعت بين العلم والروح.  
والمكتبات المنزلية التي التهمت النيران 250,000 كتابٍ من كنوز الأسر.  
هذا الرقم الصادم – 6 ملايين كتاب – ليس مجرد أرقام، بل فصولٌ محترقة من تاريخ فلسطين، وموسوعاتُ علمٍ انتهت رمادًا، وإبداعاتٌ أدبية طواها الدخان. إنها ضربةٌ لجذور الحضارة، حيث صارت أعمدةُ النار مكانَ أعمدةِ المعرفة.  
هذه الكارثة تذكيرٌ مأساوي بأن الحرب لا تقتل البشر فحسب، بل تمحو ذاكرتهم وتقضي على إرثهم الفكري، لتترك جرحًا لا يندمل في جسد الثقافة العربية.  
خمسة أسماء اختفت من الخريطة الثقافية  
1.   مكتبة ديانا تماري صباغ   (مركز رشاد الشوا الثقافي):  
   - دُمّرت بقصف إسرائيلي مُباشر في 25 نوفمبر 2023، وكانت تضم عشرات الآلاف من الكتب
2.   الأرشيف المركزي لمدينة غزة  :  
   - احترق مع سجلاته التي توثق 150 عامًا من تاريخ غزة، بما فيها وثائق نادرة عن الحياة المدنية والاجتماعية .  
3.   مكتبة المسجد العمري الكبير  :  
   - أقدم مسجد في غزة (بُني في القرن السابع)، احترقت مكتبته التي تحوي مخطوطات تعود للقرن الـ14، بعد قصفه في ديسمبر 2023 .  
4.   مكتبة جامعة الإسراء  :  
   - نسفها الجيش الإسرائيلي في يناير 2024 بعد ادعاءات كاذبة بـ"احتواء أنفاق تحتها"، رغم أنها مركز أكاديمي بحت .  
5.   مكتبة الجامعة الإسلامية:  
   - دُمّرت وهي تضم الآلاف الكتب والابحاث الاكاديمية وكانت مرجعا للطلبة والباحثين والعلماء
في مقابلة مع   هداية أبو حصيرة   (طالبة جامعية)، تقول:  
> "كنا نعتمد على المكتبة في الكلية الجامعية لقراءة الكتب واستعارتها وكذلك نلجأ إلى العديد من المكتبات المجاورة لشراء الملازم والكتب وطباعة الأبحاث، اليوم نُجبر على الدراسة إلكترونيًا رغم انعدام الكهرباء، الاحتلال يسعى ليُبقينا جُهّالًا!" .
أما   محمد الكويفي   (محاضر جامعي)، فيؤكد:  
> "هذه المكتبات لا تهدد الاحتلال الإسرائيلي عسكرياً، وهو يعلم ذلك، لكنه قام تدمير المكتبات وإتلاف وحرق الكتب كجزء من خطة لصنع جيلٍ لا يعي قضيته، فهو متعمد في نشر الفوضى والجهل وطمس العلم والعلماء
لكن الغزيين يقاومون بطباعة بعض الأوراق وتبادل الملفات الإلكترونية عبر الهواتف رغم انقطاع الإنترنت المتكرر، ويضيف أن العلم في العقل، والقضية في الوجدان!" .  
 لماذا المكتبات؟ 
تشرح بعض التقارير أن إسرائيل تنظر إلى المكتبات كـ"قنابل موقوتة" لأنها تُنتج وعيًا يُهدد روايتها.
الروائي   يسري الغول   يلخص ذلك:  
> "الاحتلال يعيش في مستنقعات الخراب، والكتاب أخطر أسلحة المواجهة!" .  
ليس هذا الدمار وليد اليون  
- عام 1948: نهب الاحتلال 30,000 كتاب من منازل الفلسطينيين أثناء النكبة.  
- عام 1982: سرق أرشيف منظمة التحرير في لبنان.  
- عام 2014: دمر 175 مكتبة مدرسية في غزة .  
اليوم، يُكرّس الاحتلال سياسته بحرق ومسح الكتب عن الوجود
رغم الدمار، تُبادر وزارة الثقافة الفلسطينية بحملة "  أغيثوا مكتبات غزة  "، داعيةً الناشرين العرب لإرسال الكتب عبر معبر رفح، لكن الاحتلال الإسرائيلي والعالم لم يستطيع توفير الطعام والشراب لأهل غزة فهل سيكون قادرا على دعم غزة بالثقافة والعلم!
 

 مكتبة دار الأرقم: حين يُقصف العلم وتُدفن الذاكرة تحت الركام

في ركنٍ من أركان مدينة غزة التي أكلتها الحرب، كانت تقف مكتبة “دار الأرقم” المدرسية شاهدة على سنوات من البذل والمعرفة. لم تكن مجرد قاعة تضم آلاف الكتب، بل كانت بمثابة منارة تربوية وثقافية غرست بذور العلم في عقول أجيال من الطلاب والباحثين، وحاضنة لأحلامهم في مستقبل أفضل.
هذه المكتبة، التي كانت من أكبر المكتبات المدرسية في القطاع، جمعت بين الكتاب الورقي والرقمي، واحتوت مختبرات حاسوب حديثة، ووفّرت أدوات تعليمية دعمت مسيرة التعليم لعقود. أما اليوم، فقد سُويت بالأرض بفعل القصف الإسرائيلي، في واحدة من أبشع حلقات استهداف التعليم في غزة، ضمن سياسة ممنهجة طالت المدارس والبنية التحتية الثقافية.
وقف الداعية والباحث الفلسطيني محمد زمارة بين الأنقاض، يشير بمرارة إلى ما تبقى من رفوف كتب محطمة وأجهزة حاسوب محروقة، قائلاً:
“نحن الآن في مدرسة دار الأرقم، المدرسة التي تخرج منها علماء وأساتذة. كانت مكتبتها تضم آلاف الكتب في مختلف التخصصات، وكانت قبلة للطلاب والباحثين. الاحتلال لم يدمر حجارة فقط، بل تعمّد محو ذاكرة أمة بأكملها.”
وأضاف:
“كما دمّروا مكتبات الجامعات التي ضمت أكثر من مليون كتاب في الهندسة، والدراسات الإسلامية، واللغات، وغيرها، ها هم اليوم يحاولون اغتيال المعرفة من جذورها. ما يحدث ليس مجرد استهداف عسكري، بل محاولة مدروسة لخلق جيل بلا وعي، بلا ذاكرة، جاهل بتاريخه وحقه في الحياة.”
وبحسب بيانات أولية صادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، فإن أكثر من 300 مدرسة تعرّضت للتدمير الكلي أو الجزئي منذ بداية الحرب، وقد كانت العديد منها تضم مكتبات تخدم آلاف الطلاب. لم تكتف آلة الحرب الإسرائيلية بقصف الحجر والبشر، بل استهدفت النازحين داخل المدارس، ولم ترحم الكتب، وكأنها تخشى الكلمة أكثر من السلاح.
مكتبة دار الأرقم، التي كانت جزءاً من مؤسسة تعليمية إسلامية عريقة، لم تعد كما كانت. لكن رغم الدمار، ما زال في غزة صوت يعلو من بين الركام:
“لن نُهزم، ما دام القلم في أيدينا، والكتب في ذاكرتنا.”
لقد دُمّرت الجدران، وسُرقت السطور من بين الأيدي، لكن الذاكرة لا تُقصف. وستظل غزة، رغم كل شيء، تقرأ.

الکلمات المفتاحیة : محرقة الكتب غزة
أکتب تعلیقا
capcha